النفايات البيئية بين المخاطر الصحية وإعادة التدوير
إن توافر أنواع مختلفة من النفايات في الدول والمنظومات الصناعية كمواد تحتفظ بخطورتها على الرغم من كونها مخلفات وناتجا لبعض المواد الصناعية الخطرة كان وما زال هاجس المنظمات والهيئات المختصة بمتابعة سلامة البيئة، خصوصا عملية تصدير النفايات الإلكترونية والكهربائية بين الدول الصناعية وبيعها بدلاً من معالجتها، مع ملاحظة أن بعض هذه المنظومات الصناعية تتجنب مصطلح ''النفايات'' وتستبدله بمصطلح ''مواد محولة''، وتبلغ تكلفة معالجة طن واحد من النفايات الخطيرة تقريبا 500 دولار، بينما تكلفة التصدير الفعلية للطن هي تقريبا 80 دولارا، لذا فإن معالجة النفايات الخطيرة والملوثة بطريقة سليمة تشكل تحديا كبيرا في مجال سلامة البيئة وصحة المجتمع.
يمكن تعريف عملية تدوير النفايات البيئية بأنها ''مجموعة عمليات مترابطة تبدأ بتجميع المواد التي يمكن تدويرها ومن ثم فرزها حسب أنواعها لتصبح مواد خام صالحة للتصنيع، ومن ثم يتم تحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام، ويمكن تلخيص أهم الفوائد البيئية والاقتصادية لتدوير النفايات في التقليل من تلوث البيئة نتيجة التخلص من النفايات عن طريق الدفن أو الحرق، المحافظة على المواد الطبيعية، تقليل الاعتماد على استيراد المواد الأولية، توفير مشاريع صناعية جديدة، توفير فرص وظيفية جديدة، وكذلك تخفيض ميزانية عقود ومشاريع النظافة، إيجاد فرص استثمارية بسبب توافر المواد الخام، كذلك إحلال بعض المنتجات البديلة، إضافة إلى المحافظة على البيئة من تلوث الهواء والماء والتربة والتخفيف من معاناة مخاطر الصحة البيئة للفرد والمجتمع.‏
الدفن الصحي للنفايات طريقة هندسية للتخلص من هذه المخلفات في الأرض بحيث لا تسمح بتلوث البيئة، وذلك من خلال دفنها في الأرض فترة محدودة حتى يتم تحللها إلى موادها الأولية وتصبح بعد ذلك غير خطرة، بحيث يراعى عزل الأرض المستخدمة عن البيئة المحيطة بها لمنع تسرب المخلفات من الوصول إلى المناطق المحيطة، وسيتم الاستدلال بنوع مهم وهو ''النفايات الكيماوية''، حيث إن طبيعة ونوعية المواد الكيماوية المستخدمة ومخاطرها تتطلب تعريفاً لأنواع وحالات مخاطر هذه المواد، فالمواد السائلة مثل المحاليل العضوية، الأحماض، الدهانات، المنظفات السائلة، والمبيدات السائلة يمكن التعرض لها من خلال امتصاص الجلد لها أو عن طريق البلع أو الحقن، أما المواد الصلبة مثل مساحيق وغبار بعض المبيدات، مساحيق وغبار الأسمنت والأسبستوس فتدخل للجسم عن طريق الأنف أو الفم، بينما المواد الغازية مثل الأبخرة والأدخنة والغازات المعدنية الناتجة عن التبخر، الاحتراق، اللحام والتخزين فتدخل للجسم عن طريق الأنف، ويمكن فهم المخاطر الصحية لهذه النفايات الكيماوية من خلال تصنيفها على النحو التالي:

1 - المواد المهيجة وتتميز هذه المجموعة بتأثير موضوعي على العين، الجلد، والجهاز التنفسي ومن أمثلة هذه المهيجات على الجهاز التنفسي الفلور، النشادر، الكلور، البروم، أكسيد الكبريت، الفوسجين وثاني أكسيد الأزوت، ومن أمثلة هذه المهيجات على الجلد الأحماض والقلويات.
2 - المواد المحسسة مثل القطران، النفتالين، الإثيلين، حيث تحدث هذه المواد تفاعلا تحسسياً يتمثل في التهاب الجلد ومشكلات تنفسية.
3 - المواد المثبطة مثل بعض المذيبات العضوية والمركبات الكيماوية المخدرة، حيث تؤثر هذه المواد في الجهاز العصبي المركزي.
4 - المواد الخانقة وهي مواد ليست سامة في حد ذاتها، لكن عند ارتفاع تركيزها مثل سيانيد الهيدروجين يؤدي ذلك إلى خفض نسبة الأكسجين والتأثير في الجهاز التنفسي.
5 - المواد المسرطنة مثل البنزول، الأسبست والأمينات العطرية، حيث إن طول فترة التعرض لها يتسبب في احتمالية حدوث بعض الأعراض السرطانية على الجسم.
6 - المواد ذات السمية الجهازية، وهي مواد تهاجم الأعضاء أو الأجهزة الحيوية للجسم في بعض الأحيان مثل مواد الرصاص، البنزول، الزئبق، الكروم، النيكل، الفينول، رابع كلور الكربون، والكادميوم.
7 - المواد المطفرة، وهي مواد تشابه المواد المسرطنة وتؤدي إلى تغيرات جينية في الصبغيات وأمراض وراثية.
8 - المواد المؤثرة في الصحة النفسية مثل الزئبق، ثاني كبريت الكربون ومذيب ستودارد، حيث تتسبب في تبدلات حيوية تصيب الجهاز العصبي المركزي وتؤثر إجمالاً في الحالة النفسية والعقلية.

إن الحصول على مصادر الطاقة النظيفة من إعادة تدوير النفايات البيئية، التي تعتمد كمية ونوعية الطاقة الناتجة منها على نسبة الرطوبة ومعدل الطاقة الحرارية المتوافرة في النفايات هو - هدف استرتيجي واقتصادي مهم - يتزامن مع التوجه الجاد للمملكة المواكب للتسارع العالمي والتقني في البحث عن تطبيقات جديدة للطاقة البديلة.
يفسر البعض وعن طريق الخطأ مصطلح ''النفايات'' على اعتبار أنه مصطلح ''سلبي''، بينما يشهد الواقع عكس ذلك، حيث تعتبر النفايات ذات أهمية تجارية وصناعية كبيرة بالتزامن مع نقص ونضوب الموارد الطبيعية وارتفاع أسعارها، ويتطلب الاستثمار في تدوير النفايات استراتيجية شاملة تشترك فيها مؤسسات القطاعين العام والخاص ذات العلاقة بالصحة العامة وحماية البيئة والمنظومات الاقتصادية المختصة، ويعتبر القطاع الخاص الأكثر مقدرة وتأهيلاً للاستثمار في مجال تصنيع النفايات عطفا على تنوع وتباين المنتج والتكلفة المالية للمشروع، بينما تسهم الدولة والقطاعات الحكومية المعنية بدعم وتهيئة المعطيات والاحتياجات المطلوبة (القروض المادية، المساعدة الفنية، المساهمة في رأس المال، استئجار المعدات، ... إلخ).
إن توجه الاستثمار في مشاريع وبرامج إعادة تدوير النفايات البيئية بجميع أنواعها الصلبة والسائلة خيار مستقبلي آمن لخلق وتوافر فرص اقتصادية كبيرة في العالم العربي، في الولايات المتحدة مثلا تتوافر من إعادة تدوير النفايات ما قيمته 236 مليار دولار سنوياً، ويحصل ما يزيد على مليون شخص في المرافق العامة والخاصة على فرص وظيفية من جراء هذه الصناعات، كما أن إجمالي ناتج عمليات إعادة التصنيع والتدوير للنفايات في جميع أنحاء العالم يوفر قرابة 10.7 مليون برميل من النفط سنوياً، وكذلك تتولد كمية من طاقه الكهرباء تعادل في نسبتها خمسة أضعاف الكمية التي تولدها محطات توليد الطاقة النووية.
وبحسب إفادة مكتب إعادة التدوير الدولي فإن نهج سوق النفايات المعدنية في الشرق الأوسط يختلف عن بقية الأسواق الدولية، حيث تركز السوق في الشرق الأوسط في الغالب على المتاجرة في النفايات ومعالجتها، وتعتبر منطقة الخليج العربي من المراكز المهمة لصناعة إعادة تدوير النفايات المعدنية، حيث تتصدر فيها السعودية والإمارات القائمة كمراكز رئيسة لنشاط هذه الصناعة، الجدير بالذكر أن إعادة تدوير طن واحد من الحديد يمكن أن تسهم في توفير 113 كيلو جراما من الحديد الخام، 454 كيلو جراما من الفحم، و18 كيلو جراما من الحجر الجيري، بينما ينتج عن إعادة تدوير كيلو جرام واحد من الألمنيوم ما يقارب (ستة كيلو جرامات من مادة البوكسيت التي يتم إنتاج الألمنيوم منها، أربعة كيلو جرامات من المنتجات الكيماوية، و14 كيلو واط من طاقة الكهرباء).
كما يلعب الاهتمام بتدوير مخلفات المحاصيل الزراعية دوراً إيجابيا في التخلص من هذه المخلفات، وبالتالي تقليل نسبة التلوث البيئي، خصوصا في المناطق الزراعية أو بالقرب من مصانع حفظ وتعليب المواد الغذائية، حيث تتبع أساليب غير سليمة للتخلص من هذه المخلفات، وهنا يظهر المفهوم الأساسي لتوجه الزراعة العضوية Organic agriculture، وهو إنتاج الغذاء بطريقة لا تلحق الضرر بالبيئة، وذلك بتجنب الكيماويات الزراعية كالأسمدة والمبيدات والهرمونات والعقاقير البيطرية والمواد الحافظة وغير ذلك من المواد المصنعة، كما تتحاشى الزراعة العضوية بعض التطبيقات الحديثة للهندسة الوراثية مثل المنتجات المعدلة وراثيا.
يربط علماء النفس والاجتماع أهمية توجه تقنيات وصناعة تدوير النفايات البيئية إلى خفض نسبة معدلات الجريمة والبطالة بين شريحة الشباب، حيث إن بيئة سكن ومعيشة الإنسان تلقي بظلالها في الغالب على توافر بعض السلوكيات والمخاطر والأمراض الاجتماعية التي يرجع مصدرها إلى السكن في المناطق العشوائية والمتدنية بيئيا ويكثر فيها النفايات والقمامة، كما أشارت إلى ذلك الأبحاث العلمية في هذا الخصوص، مثل (الاكتئاب، الانتحار، سوء معاملة الأطفال، سوء معاملة المعلمين، انفصال الأزواج والطلاق، سوء معاملة الأزواج، الاغتصاب، والإرهاب).
خاتمة: البيئة والإنسان وجهان لعملة واحدة تجسد البحث والحرص على مقومات الحياة الكريمة والرفاهية في المجتمعات المدنية في الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي وتهيئة البنية التحتية والمسوغات والعهود والمواثيق الدولية في مجال المحافظة على البيئة وحماية الموارد الطبيعية من النضوب والتلوث، خصوصا عند الحديث عن إكسير الحياة (الماء)، الذي يهدد توافره في المستقبل القريب هاجس المختصين والباحثين في العالم العربي، وفي المقابل يتخوف الفرد والمجتمع العربي، والخليجي بصفة خاصة، من تداعيات ومخلفات توافر بعض المصانع الكيماوية والنووية لإيران على تلوث مياه الخليج العربي وتدمير البيئة الخليجية بصفة عامة وتضرر إنتاجية مياه الشرب المحلاة بصفة خاصة بسبب رمي النفايات والمخلفات البيئية، والتي تقلق أيضا هاجس منظمة الصحة العالمية، وتنشد تعاون جميع المنظومات والهيئات والمؤسسات البيئية العربية وتظلمها إلى محاكم مختصة بجرائم البيئة الدولية

.د. سليمان المشعل - باحث في البيئة والاقتصاد والصحة البيئية


* المملكة العربية السعودية